السؤال : ما هي آداب الخلاف ؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
اعلم أخي الكريم أن الخلاف سنة كونية في بني آدم تعكس اختلاف فهومهم وتباين مداركم ومشاربهم ، تعداد آرائهم واجتهاداتهم ، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الخلاف بين البشر سنة من سنن الله الكونية، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118].
والخلاف منه ما هو غير سائغ وهذا مذموم مطلقا وهو الخلاف الذي منشؤه الهوى والجهل والقول بغير علم ، وكذلك خلاف الجاهل للعالم كل هذا خلاف غير معتبر كما قيل : وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر .
وهناك خلاف سائغ وهو ما بني على العلم والاجتهاد المستند إلى الكتاب والسنة والقياس الصحيح ، وهذا واقع بين أئمة الدين والمجتهدين ومنه ينجر إلى المقلدين لهم . وهو ما يحتدم الصراع والخلاف فيه غالباً .
ثم اعلم أن للخلاف آدابا وقواعد قررها أهل العلم لا بد من التحلي بها والوقوف عندها ومنها :
- إخلاص النية لله ثم الخضوع للحق ولو نطق به الخصم
كما قال الشافعي: ما ناظرت أحداً إلا قلت: اللهم أجرِ الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني، وإن كان الحق معه اتبعته.
- الإنصاف مع المخالف:
فإن الاختلاف في الرأي لا يمكن أن يكون مؤدياً إلى فتنة، أو مورثاً لفرقة إلا إذا صاحبه بغي أو هوى كما قال تعالى:{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } .[آل عمران:19]
والله تعالى أمر بالعدل قال تعالى:{ ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} . [المائدة:8].
- مراعاة المصالح والمفاسد:
إن من قواعد الشريعة تحمل أدنى المفسد تين لدرء أعلاهما، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات وأكبر الأصنام ولا يغيرها وترك المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
والتعامل مع كل من مخالف منوط بهذه القاعدة، فلا يسوغ الرد عليه إذا ترتب على ذلك مفسدة أكبر.
- معرفة لغة المتكلم وحقيقة رأيه:
فإذا جهل الإنسان حقيقة قول المتكلم ومقصده من اصطلاحاته حمله غير مقصوده، ولذا قال ابن تيمية: وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ويتعذر على بعضهم
- التثبت في الأخبار:
فالاستعجال في إصدار الأحكام تصرف يوقع صاحبه للزلل والخطأ، ولذا جاء الشرع بالأمر بالتثبت والتبيّن كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْما ًبِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} . [الحجرات:6]
وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} . [النساء:94]
والمراد بالتبيّن: التعرّف والتبصر والأناة وعدم العجلة حتى يتضح الأمر ويظهر، وهذا يحصل في النقل والمنقول. فأما النقل فبالتحقق من صدق الناقل وسلامته ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:”بئس مطية الرجل زعموا”[1].
- إحسان الظن بالمخالف .
فقد أمرنا الله بذلك:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم”. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً “[2].
- الستر على المخطئ وعدم التشهير أو التشفي به.
فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الستر فقال: “ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة” متفق عليه. ومن هذا أن يبين الخطأ دون التعرض لشخص المخطئ وهذا نهج أثري منقول في قول المصطفى في كثير من الأحوال، ما بال أقوام.
ويمكنك قراءة بعض الكتب التي تتحدث عن الخلاف وأنواعه وآدابه مثل :
- كتاب لا إنكار في مسائل للدكتور /عبد السلام مقبل المجيدي
- كتاب آداب الحوار وقواعد الاختلاف ، لعمر بن عبد الله كامل
- كتاب الخلاف بين العلماء ، للشيخ محمد الصالح العثيمين
- كتاب أدب الاختلاف في الإسلام ، د . طه جابر فياض العلواني
- القواعد الذهبية في أدب الخلاف ، للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق
والله أعلم
[1] رواه أبو داود (4972) وصححه الألباني على أبي داود ، وانظر السلسلة الصحيحة(866) .
[2] أمالي المحاملي ( 460 )