تزويج المرأة نفسها من دون ولي

السؤال : متى يجوز للمرأة تزويج نفسها من غير ولي ؟

ومن قال بذلك من الفقهاء المعتبرين ؟ وأين يمكن الاطلاع على الفتاوى في مثل هذا الموضوع؟

 الجواب : الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

  • القول الراجح في مسألة اشتراط الولي في عقد النكاح هو ما ذهب إليه جمهورُ أهلِ العلم سلفاً وخلفاً .

حيث قالوا : لا يصحُّ النكاحُ إلا بولي بل نقل الحافظ ابن حجر عن ابن المنذر قوله : إنّه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك “([1])

.واستدلوا بقوله تعالى : ” ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا .. “([2])

قال الحافظ ابن حجر ” ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنّه تعالى خاطب بالنكاح الرجال ، ولم يخاطب به النساء فكأنه قال : لا تُنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين “([3])

وقال القرطبي :” وفي هذه الآية دليل بالنصّ على أنه لا نكاح إلا بولي”([4])

وغيرها من الآيات تصب التي تتحدث عن النكاح والتزويج في هذا التفسير .

واستدلوا بما رواه أبو داود وغيرُه من حديث أبي بردة عن أبيه – أبي موسى الأشعري- : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا نكاح إلا بولي “([5])

قال الترمذي : والعملُ في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” لا نكاح إلا بولي ” عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم ، وهكذا رُوي عن بعض فقهاء التابعين أنهم يقولون:” لا نكاح إلا بولي” منهم سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشُريح , وإبراهيم النخعي وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.([6])

واستدلوا أيضا بما روى الترمذي وغيره عن عائشة – رضي الله عنها – (( أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها مهر المثل بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له )) ([7])

  • وذهب أبو حنيفة إلى انه لا يُشترط الولي أصلاً ، ويجوز أن تُزوِّج المرأةُ نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤاً ، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به ، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخصّ بهذا القياس عمومها- وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس – لكنّ حديث معقل المذكور رفع هذا القياس.

وللحنفية في الولاية على البالغة العاقلة أقوال لخصها الكمال فقال: وحاصل ما عند علمائنا في ذلك سبع روايات:

روايتان عن أبي حنيفة:

الأولى: تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقا – أي من كفء أو من غير كفء – إلا أنه خلاف المستحب، وهو ظاهر المذهب.

ولأبي حنيفة على ظاهر المذهب الكتاب العزيز والسنة والاستدلال:

أما الكتاب فقوله تعالى {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } ، فالآية الشريفة نص على انعقاد النكاح بعبارتها فكانت حجة على المخالف، وقوله تعالى {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } أضاف النكاح في قوله {حتى تنكح} إليها فيقتضي تصور النكاح منها، وأضافه إلى الزوجين في قوله {أن يتراجعا} ، أي يتناكحا من غير ذكر الولي، وقوله تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن }

قال العلامة ابنُ عابدين ” وأمّا حديث ” أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل” . وحسّنه الترمذي وحديث ” لا نكاح إلا بولي ” رواه أبو داود وغيره فمعارض بقوله صلى الله عليه وسلم ” الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا” أخرجه مسلم .

والأيّمُ من لا زوج لها بكراً أو لا ، فإنّه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت ،وقد جعلها أحقُّ منه به ، ويترجح هذا بقوة السند والإتفاق على صحته بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان ، أو يجمع بالتخصيص, أو بأنّ النفي للكمال أو بأنّ يراد بالولي من يتوقف على إذنه- أي لا نكاح إلا بمن له ولاية- لينفى نكاح الكافر للمسلمة والمعتوه والعبد والأمة .. “([8])

وللمزيد حول رأي الفقهاء في المسألة يمكن مراجعة الكتب التالية : ( جواهر الإكليل 1 / 278، والمهذب 2 / 38، والمغني 6 / 486، ، ونيل الأوطار 6 / 120 ، وأحكام القرآن للجصاص 2 100 وما بعدها ، والمبسوط 5 12 ، وحاشية ابن عابدين 3/56، والموسوعة الفقهية الكويتية  45/174 ، والفقه على المذاهب الأربعة 4/23)

وللأزهر فتاوى عدة تصحح النكاح بدون ولي أخذاً بمذهب الأحناف يمكن الاطلاع عليها في موسوعة فتاوى الأزهر المنشورة إلى الإنترنت. والله أعلم .


([1])( الفتح 9/ 187 )

([2]) البقرة 221

([3])في الجامع ( 3/ 49 ) :

([4])الجامع ( 3/ 49 ) :

([5])( أبو داود 2085) ( الترمذي : 1102) ( ابن ماجه : 1880) ( ابن حبان : 4075) وصححه ، ( الحاكم : 2710) وصححه كذلك .

([6]) سنن الترمذي بتحقيق محمد شاكر وفؤاد عبد الباقي 3/399

([7])أخرجه الترمذي 1108 وحسّنه ، وقال الحافظُ : ” وصحّحه أبو عوانه وابنُ خزيمة ، وابنُ حبان والحاكم ” [ الفتح 9/184]

([8]) حاشية ابن عابدين 3/56

الأرشيف

تزويج المرأة نفسها بدون ولي
حكم ارث الضرائر من بعض